فصل: 111- باب آداب الشرب واستحباب التنفس ثلاثًا خارج الإناء وكراهة التَّنَفُّس في الإناء واستحباب إدارة الإناء عَلَى الأيمن فالأيمن بعد المبتدئ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تطريز رياض الصالحين



.107- باب الأمر بالأكل من جانب القصعة والنهي عن الأكل من وسطها:

فِيهِ: قَوْله صلى الله عليه وسلم: «وَكُلْ مِمَّا يَلِيكَ». متفق عَلَيْهِ كما سبق.
744- وعن ابن عباس رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ: «البَرَكَةُ تَنْزِلُ وَسَطَ الطعَامِ؛ فَكُلُوا مِنْ حَافَتَيْهِ، وَلا تَأكُلُوا مِنْ وَسَطِهِ». رواه أَبُو داود والترمذي، وقال: (حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحيحٌ).
قال الشافعي: فإن أكل مما يملي غيره أو من رأس الطعام أثم بالفعل الذي فعله، إذا كان عالمًا بنهي النبي صلى الله عليه وسلم.
745- وعن عبد الله بن بُسْرٍ رضي الله عنه قال: كَانَ للنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَصْعَةٌ يُقَالُ لَهَا: الغَرَّاءُ يَحْمِلُهَا أرْبَعَةُ رجالٍ؛ فَلَمَّا أضْحَوْا وَسَجَدُوا الضُّحَى أُتِيَ بِتِلْكَ الْقَصْعَةِ؛ يعني وَقَدْ ثُردَ فِيهَا، فَالتَفُّوا عَلَيْهَا، فَلَمَّا كَثُرُوا جَثَا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم. فَقَالَ أعرابيٌّ: مَا هذِهِ الجِلْسَةُ؟ قَالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «إنَّ اللهَ جَعَلَنِي عَبْدًا كَريمًا، وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا عَنِيدًا»، ثُمَّ قَالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «كُلُوا مِنْ حَوَالَيْهَا، وَدَعُوا ذِرْوَتَها يُبَارَكْ فِيه». رواه أَبُو داود بإسنادٍ جيد.
«ذِرْوَتها»: أعْلاَهَا بكسر الذال وضمها.
قوله: (الغراء): قال المنذر: سميت غراء لبياضها بالألية والشحم، أو لبياض برها، أو لبياضها باللبن. وقال غيره: سميت بذلك لنفاسة ما فيها، أو لكثرة ما تسعه. وروى أحمد من حديث ابن بسر قال: كان للنبي صلى الله عليه وسلم جفنة لها أربع حلق.
وقوله: (جثًا) أي: قعد على ركبتيه جالسًا على ظهور قدميه.
وفيه: استحباب هذه الجلسة عند ضيق المجلس وأن الأكل من الجوانب مع ذكر الله تعالى سبب لحصول البركة.

.108- باب كراهية الأكل متكئًا:

746- عن أَبي جُحَيْفَةَ وَهْبِ بن عبد الله رضي الله عنه قال: قَالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «لا آكُلُ مُتَّكِئًا» رواه البخاري.
قَالَ الخَطَّابِيُّ: المُتَّكئُ هُنَا: هُوَ الجالِسُ مُعْتَمِدًا عَلَى وِطَاءٍ تحته، قَالَ: وأرادَ أنَّهُ لا يَقْعُدُ عَلَى الوِطَاءِ وَالوَسَائِدِ كَفِعْل مَنْ يُريدُ الإكْثَارَ مِنَ الطَّعَام، بل يَقْعُدُ مُسْتَوفِزًا لا مُسْتَوطِئًا، وَيَأكُلُ بُلْغَةً. هَذَا كلامُ الخَطَّابيِّ، وأشارَ غَيْرُهُ إِلَى أنَّ الْمُتَّكِئَ هُوَ المائِلُ عَلَى جَنْبِه، والله أعلم.
كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يأكل متربعًا، ولا على جنب، فأما الأكل متكئًا على جنب فهو فعل أهل الكبر وهو مكروه، والأكل متربعًا جائز.
747- وعن أنس رضي الله عنه قال: رَأَيْتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم جَالِسًا مُقْعِيًا يَأكُلُ تَمْرًا. رواه مسلم.
«المُقْعِي»: هُوَ الَّذِي يُلْصِقُ أَلْيَتَيْهِ بالأرض، وَيَنْصِبُ سَاقَيْهِ.
الإقعاء: هنا الاحتباء.
وفيه: تواضعه صلى الله عليه وسلم غاية التواضع.

.109- باب استحباب الأكل بثلاث أصابع واستحباب لعق الأصابع، وكراهة مسحها قبل لعقها:

واستحباب لعق القصعة وأخذ اللقمة الَّتي تسقط منه وأكلها، وجواز مسحها بعد اللعق بالكف والقدم وغيرهما.
يستحب لعق الأصابع بعد فراغه من الأكل. وأما لعقها في أثناء الأكل فمكروه؛ لأنه يعيدها إلى الطعام وعليها أثر ريقه.
748- عن ابن عباس رضي الله عنهما، قَالَ: قَالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «إِذَا أكَلَ أَحَدُكُمْ طَعَامًا، فَلا يَمْسَحْ أَصَابِعَهُ حَتَّى يَلْعَقَهَا أَوْ يُلْعِقَها». متفقٌ عَلَيْهِ.
أي: يلعقها هو، أو يلعقها أهله، أو ولده، أو خادمه ومن لا يستقذر منه. قال الخطابي: عاب قوم أفسد عقلهم الطرفه، فزعموا أن لعق الأصابع مستقبح.
749- وعن كعب بن مالك رضي الله عنه قال: رأيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يَأكُلُ بثَلاَثِ أصابعَ، فإذا فَرَغَ لَعِقَهَا. رواه مسلم.
يستحب الأكل بثلاث أصابع إذا كان الطعام غير مائع. وما ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم أكل بخمس فمحمول على بيان الجواز.
750- وعن جابر رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بلعق الأصابع والصحفة، وقال: «إنَّكُمْ لا تَدْرُونَ في أيِّ طَعَامِكُمُ البَرَكَةُ». رواه مسلم.
قيل: أن البركة هنا والله أعلم ما يحصل به التغذية، وتسلم عاقبته من أذى. ويقوي على الطاعة وغير ذلك. وقد تكون العلة هنا أن لا يتهاون بقليل الطعام أي الباقي في آخر القصعة، أو الساقط.
751- وعنه: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِذَا وَقَعَتْ لُقْمَةُ أحَدِكُمْ، فَلْيأخُذْهَا فَلْيُمِطْ مَا كَانَ بِهَا مِنْ أذىً، وَلْيَأْكُلْهَا، وَلا يَدَعْهَا لِلشَّيْطَان، وَلا يَمْسَحْ يَدَهُ بالمِنْدِيل حَتَّى يَلْعَقَ أصَابِعَهُ، فَإنَّهُ لا يَدْري في أيِّ طَعَامِهِ البَرَكَةُ». رواه مسلم.
في الحديث: استحباب إماطة التراب ونحوه عن اللقمة إذا سقطت، وأكلها تحرصًا على البركة، وحملًا للنفس على التواضع ومعاملة للشيطان بنقيض قصده.
752- وعنه: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إنَّ الشَّيْطَانَ يَحْضُرُ أحَدَكُمْ عِنْدَ كُلِّ شَيْءٍ مِنْ شَأنِهِ، حَتَّى يَحْضُرَهُ عِنْدَ طَعَامِهِ، فإذَا سَقَطَتْ لُقْمَةُ أحَدِكُمْ فَلْيَأخُذْهَا فَليُمِطْ مَا كَانَ بِهَا مِنْ أذىً، ثُمَّ لِيَأْكُلْهَا وَلا يَدَعْهَا للشَّيْطَانِ، فإذا فَرَغَ فَلْيَلْعَقْ أصابِعَهُ، فإنَّهُ لا يَدْري في أيِّ طعامِهِ البَرَكَةُ». رواه مسلم.
فيه: التحذير من الشيطان، والتنبيه على ملازمته الإنسان في سائر تصرفاته، فينبغي أن يتأهب ويحترز منه ولا يغتر بما يزينه له ليلهيه عن ذكر الله تعالى.
753- وعن أنسٍ رضي الله عنه قال: كَانَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إِذَا أكَلَ طَعَامًا، لَعِقَ أصَابِعَهُ الثَّلاَثَ، وقال: «إِذَا سقَطَتْ لُقْمَةُ أحَدِكُمْ فَلْيُمِطْ عنها الأذى، وَليَأكُلْهَا، وَلا يَدَعْها لِلْشَّيْطَان» وأمَرَنا أن نَسْلُتَ القَصْعَةَ، وقال: «إنَّكُمْ لا تَدْرُونَ في أيِّ طَعَامِكُمُ البَرَكَةُ». رواه مسلم.
قوله: (لعق أصابعه الثلاث)، أي: إذا اقتصر بالأكل عليها كما هو غالب أكله صلى الله عليه وسلم، وأما إذا أكل بالخمس فيلعق الجميع.
754- وعن سعيد بنِ الحارث: أنّه سأل جابرًا رضي الله عنه عنِ الوُضُوءِ مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ، فَقَالَ: لا، قَدْ كُنَّا زَمَنَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم لا نَجِدُ مِثْلَ ذَلِكَ من الطَّعامِ إِلا قليلًا، فإذا نَحْنُ وجَدْنَاهُ، لَمْ يَكُنْ لنا مَنَادِيلُ إِلا أكُفَّنا، وسَواعِدَنَا، وأقْدامَنَا، ثُمَّ نُصَلِّي وَلا نَتَوَضَّأُ. رواه البخاري.
في الحديث: دليل على عدم وجوب الوضوء من أكل ما مسته النار بطبخ ونحوه، وجواز مسح وَضَرِ الطعام بعد اللعق بأطراف البدن.

.110- باب تكثير الأيدي عَلَى الطعام:

755- عن أَبي هريرة رضي الله عنه قال: قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: «طَعَامُ الاثنينِ كافِي الثلاثةِ، وطَعَامُ الثَّلاَثَةِ كافي الأربعة». متفق عَلَيْهِ.
المراد بهذا الحديث: الحض على المكارمة، والتقنع بالكفاية.
وفيه: استحباب الاجتماع على الطعام وإن الجمع كلما كثر زادت البركة. وعند الطبراني: «كلوا جميعًا ولا تفرقوا، طعام الواحد يكفي الاثنين».
756- وعن جابر رضي الله عنه قال: سَمِعْتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «طَعَامُ الوَاحِدِ يَكْفِي الاثْنَيْنِ، وَطَعَامُ الاثْنَيْنِ يَكْفِي الأَرْبَعَةَ، وَطَعَامُ الأرْبَعَةِ يَكْفِي الثَّمَانِيَةَ». رواه مسلم.
يعني إذا اجتمعوا كفاهم. وعند الطبراني عن ابن عمر بلفظ «طعام الاثنين يكفي الأربعة، وطعام الأربعة يكفي الثمانية، فاجتمعوا عليه ولا تفرقوا».

.111- باب آداب الشرب واستحباب التنفس ثلاثًا خارج الإناء وكراهة التَّنَفُّس في الإناء واستحباب إدارة الإناء عَلَى الأيمن فالأيمن بعد المبتدئ:

757- عن أنس رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كَانَ يَتَنَفَّسُ في الشَّرابِ ثَلاثًا. متفق عَلَيْهِ.
يعني: يتنفس خارجَ الإناءِ.
فيه: استحباب التنفس في الشراب ثلاثًا، ويجوز بنفس واحد كما ورد في بعض الرويات.
758- وعن ابن عباس رضي الله عنهما، قَالَ: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تَشْرَبُوا وَاحِدًا كَشُرْبِ البَعِيرِ، وَلَكِنِ اشْرَبُوا مَثْنَى وَثُلاَثَ، وَسَمُّوا إِذَا أنْتُمْ شَرِبْتُمْ، وَاحْمَدُوا إِذَا أنْتُمْ رَفَعْتُمْ». رواه الترمذي، وقال: (حَدِيثٌ حسن).
النهي عن الشرب من نفس واحد للتنزيه. قال عمر بن عبد العزيز: إنما نهي عن التنفس داخل الإناء. أما من لم يتنفس فإن شاء فليشرب بنفسٍ واحد.
وفي الحديث: الأمر بالتسمية عند الشراب، والحمد عند الفراغ.
759- وعن أَبي قَتَادَة رضي الله عنه أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى أنْ يُتَنَفَّسَ في الإناءِ. متفق عَلَيْهِ.
يعني: يتنفس في نفس الإناءِ.
النهي عن التنفس في الشرب كالنهي عن النفخ في الطعام والشراب لئلا يتقذر به من البزاق أو أثر رائحة كريهة تعلق بالماء.
760- وعن أنس رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أُتِيَ بِلَبَنٍ قَدْ شِيبَ بماءٍ، وَعَنْ يَمِينهِ أعْرَابيٌّ، وَعَنْ يَسَارِهِ أَبُو بَكْر رضي الله عنه، فَشَرِبَ، ثُمَّ أعْطَى الأعْرابيَّ، وقال: «الأيْمَنَ فالأيْمَنَ» متفق عَلَيْهِ.
قَوْله: «شِيب» أيْ: خُلِطَ.
كانت العادة جارية بتقديم الأيمن في الشرب وغيره، فبيَّن النبي صلى الله عليه وسلم بفعله وقوله أن تلك العادة لم يغيرها الشرع، وأن السنَّة تقديم الأيمن وإن كان الأيسر أفضل منه.
761- وعن سهلِ بن سعدٍ رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أُتِيَ بِشرابٍ، فَشَرِبَ مِنْهُ وَعَنْ يَمِينِهِ غُلامٌ، وَعَنْ يَسَارِهِ أشْيَاخٌ، فَقَالَ للغُلامِ: «أتَأْذَنُ لِي أنْ أُعْطِيَ هؤُلاَءِ؟» فَقَالَ الغُلامُ: لا واللهِ، لا أُوثِرُ بنَصيبي مِنْكَ أَحَدًا. فَتَلَّهُ رسول الله صلى الله عليه وسلم في يَدِهِ. متفقٌ عَلَيْهِ.
قَوْله: «تَلَّهُ» أيْ وَضَعَهُ. وهذا الغلامُ هُوَ ابْنُ عباس رضي الله عنهما.
قال ابن الجوزي: إنما استأذن الغلام دون الأعرابي، لأنه لم يكن له علم بالشريعة، فاستألفه بترك استئذانه بخلاف الغلام.